فصل: ذِكْرُ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ مَوَاقِيتِ الصَّلَوَاتِ مِنَ السُّنَّةِ:

944- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بِقَدْرِ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ثُمَّ صَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَلَى الصَّائِمِ ثُمَّ صَلَّى بِي الْغَدَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَتْ بِهِ طَائِفَةٌ وَانْتَقَلَ آخَرُونَ عَنِ الْقَوْلِ بِبَعْضِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى سُنَنٍ سَنَّهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَزَادَ أَنَّ مَا سَنَّهَ بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ نَاسِخٌ لَمَّا كَانَ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ. قَالُوا: وَالْآخَرُ مِنْ سُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَأَنَا مُبَيِّنٌ تِلْكَ السُّنَنَ فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

.ذِكْرُ أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ.
945- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ حِينَ أَزَالَتِ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ يَقُولُ: انْتَصَفَ النَّهَارُ أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِهِ.
946- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ».

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: وَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ يَكُونَ الظِّلُّ قَامَةً وَاحْتَجُّوا أَوْ مَنِ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِخَبَرِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: قَالَهُ عَطَاءٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَتَى تَفْرِيطُ الظُّهْرِ؟ قَالَ: لَا تَفْرِيطَ لَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الشَّمْسُ صُفْرَةً. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَقُولُ: لَا يُفَوَّتُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ حَتَّى اللَّيْلِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَصِرِ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ فَإِذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُمَا وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
947- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى».
948- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ إِذَا كَانَ الظِّلُّ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَسْتَوِيَ أَحَدُكُمْ بِظِلِّهِ.

.ذِكْرُ مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مَعْرِفَةَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ بَلَدٍ فَلْيَنْصِبْ عُودًا مُسْتَوِيًا فِي مُسْتَوًى مِنَ الْأَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِلشَّمْسِ فَإِنَّ الظِّلَّ يَتَقَلَّصُ إِلَى الْعُودِ فَيَتَفَقَّدُ نُقْصَانَهُ فَإِنَّ نُقْصَانَهُ إِذَا تَنَاهَى زَادَ فَإِذَا زَادَ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ الزَّوَالُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَحْفُوظٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

.ذِكْرُ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ». ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ قَصْدِهِمُ الْقَوْلَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَامَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيُصَلِّي الْوَاحِدَ الظُّهْرَ وَيُصَلِّي الْآخَرُ الْعَصْرَ كَانَا مُصَلِّينَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِهِمَا قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ إِسْحَاقُ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ بِهِ، قَالَ: وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يَكُونُ وَقْتًا وَاحِدًا لِلصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ وَلَا عُذْرٍ؟ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَيَسُوءُكَ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ هَكَذَا وَلَوْ جَاءَ وَقْتًا وَاحِدًا لِثَلَاثِ صَلَوَاتٍ لَجَعَلْنَاهُ لِثَلَاثٍ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا يَفُوتُ الظُّهْرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَإِذَا جَاوَزَهُ فَقَدْ فَاتَتْ وَوَقْتُ الْعَصْرِ إِذَا جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَذَلِكَ حِينَ يَنْفَصِلُ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَدْ حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْلُهُ: وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ: إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ هَذَا قَوْلِ النُّعْمَانِ وَهُوَ قَوْلٌ خَالَفَ صَاحِبُهُ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّظَرُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَيْهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى مَقَالَتِهِ وَعَدَلَ أَصْحَابُهُ عَنِ الْقَوْلِ بِهِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ مُنْفَرِدًا لَا مَعْنَى لَهُ.

.ذِكْرُ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ وَإِنْ صَلَّى مَا لَمْ تَتَغَيَّرِ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُ هَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ أَخَّرَ وَقْتَ الْعَصْرِ حَتَّى جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَقَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: فَاتَهُ وَقْتُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَحُجَّةُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِمَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرِّ الشَّمْسُ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مَرَّةً: مَا لَمْ تَتَغَيَّرِ الشَّمْسُ، وَقِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَتَى تَدْخُلُ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ أَنْ تَصْفَرَّ، قَالَ: لَا وَلَكِنْ تَرَى عَلَى الْأَرْضِ صُفْرَةَ الشَّمْسِ فَذَلِكَ فَوَاتُ الْعَصْرِ وَخُرُوجُ وَقْتِهَا وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ وَقْتَ الْعَصْرِ مَتَى هُوَ؟ قَالَ: مِنْ حِينِ يَكُونُ الظِّلُّ قَامَةً فَيَزِيدُ عَلَى قَامَةٍ إِلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ الشَّمْسُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
949- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبَى بُكَيْرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَزْدِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ لَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَيْنِ وَسَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» وَقَدْ ذَكَرْتُ حَدِيثَ أَبَى هُرَيْرَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبَى مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ تَحْمَرَّ الشَّمْسُ.
950- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَاهُ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: احْمَرَّتِ الشَّمْسُ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ مِنْهَا رَكْعَةً هَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصْحَابِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَاتِ، وَحُجَّةُ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
951- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا».
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ. رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْتَجَّ قَائِلُهُ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُفَوِّتْ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى».
952- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا زَائِدَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَقْتٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ سَادِسٌ وَهُوَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ لِلنَّائِمِ وَالنَّاسِي رَكْعَةٌ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ وَبَيْنَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَجَعَلَ وَقْتَ مَنْ لَمْ يُعَذَّرْ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَنْ يُدْرِكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ وَكَانَ أَبُو ثَوْرٍ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَيْسَ يَخْلُو الْقَوْلُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَيَكُونَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ خَارِجًا مِنْ ذَلِكَ آثِمًا مُفْرِطًا أَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَامِدًا حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ قَامَ فَصَلَّاهَا أَوْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّ قَوْلَهُ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسِ عَلَى الْعُمُومِ فَلِمَنْ لَهُ عُذْرٌ وَلِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ قَامَ فَصَلَّاهَا وَلَا مَأْثَمَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلٌ يَقِلُّ الْقَائِلُ بِهِ وَإِذَا بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ ثَبَتَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
953- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ حَفْصَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِصَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ يَدَعُ الْعَصْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهُنَّ كَنَقَرَاتِ الدِّيكِ لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهِنَّ إِلَّا قَلِيلًا».

.ذِكْرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ:

ثَابِتٌ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ تَجِبُ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا وَقْتَ لِلْمَغْرِبِ إِلَّا وَقْتًا وَاحِدًا. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ؛ قَالَ: مَا سَمِعْتُ لَهَا إِلَّا وَقْتًا وَاحِدًا إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَاحْتَجَّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاحْتَجَّ آخِرُ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ». وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ وَإِسْنَادَ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: صَلُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَالْفِجَاجُ مُسْفِرَةٌ يَعْنِي: الْمَغْرِبَ وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَغَلَ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى اطَّلَعَ نَجْمَانِ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لِتَأْخِيرِهِ الْمَغْرِبَ حَتَّى طَلَعَ النَّجْمَانِ.
954- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: صَلُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَالْفِجَاجُ مُسْفِرَةٌ يَعْنِي الْمَغْرِبَ.
955- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، أَنَّ عُمَرَ، كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ آنَاءَ اللَّيْلِ.
956- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: مَا صَلَاةٌ أَخْوَفُ عِنْدِي فَوَاتًا مِنَ الْمَغْرِبِ.
957- وَحَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أنا نَافِعٌ، عَنْ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ ثَوْبَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغَسَّانِيَّ ثُمَّ الْأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَّرَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ عَنْ شُغْلٍ، اشْتَغَلَ بِهِ غَيْرُ نَاسٍ حَتَّى طَلَعَ نَجْمَانِ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لِتَأْخِيرِهِ الْمَغْرِبَ حَتَّى طَلَعَ النَّجْمَانِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّفَقُ. هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِهِ بِأَخْبَارٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو.
958- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْعَتَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ».
959- وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ» وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ جَعَلَ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِهِ لِلْمَدِينَةِ بِزَمَانٍ وَإِنَّمَا صَلَّى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَلَمَّا جَعَلَ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَجَبَ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ سَائِرِ السُّنَنِ وَكَمَا كَانَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ فَوَجَبَ قَبُولُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَمَا كَانَ لِلْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا ثُمَّ زَادَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَوَجَبَ قَبُولُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةً حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى» وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَقْتٌ مَمْدُودٌ لَا وَقْتَ وَاحِدٌ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ».
960- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ». وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأُمُّ سَلَمَةَ تَرَكْتُ ذِكْرَ إِسْنَادِهَا هَاهُنَا مَعَ كَثِيرٍ مِنْ أَسَانِيدِ أَخْبَارِ هَذَا الْكِتَابِ لِلِاخْتِصَارِ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَقْتٌ مَمْدُودٌ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
961- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ، أَخْبَرَهُ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: الْأَعْرَافُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنَةً وَحَرْفًا حَرْفًا بِتَرْتِيلٍ مَعَ إِتْمَامِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ مَنْ قَالَ: وَقْتُهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَاخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمُجْمَعُ عَلَى دُخُولِهِ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ مِثْلِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُذْهَبُهُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُفِيقِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يُسْلِمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالْغُلَامُ يَبْلُغُ، فَكَمَا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ ذَكَرْتُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مِثْلُ إِيجَابِهِ عَلَى الْغُلَامِ إِذَا بَلَغَ أَوْ طَهُرَتِ الْحَائِضُ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَذَلِكَ لِاتِّصَالِ وَقْتِ الظُّهْرِ بِوَقْتِ الْعَصْرِ وَدَلَّ كَذَلِكَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ ذَكَرَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فِي هَذِهِ مُتَّصِلٌ بِوَقْتِ الْعِشَاءِ إِذْ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ لَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ إِلَّا صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ دُونَ الْمَغْرِبِ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ يَرَى أَنْ يَجْمَعَ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْمُقِيمِ فِي حَالِ الْفِطْرِ كَمَا يَرَى ذَلِكَ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَوْ كَانَ وَقْتًا وَاحِدًا بَيْنَ وَقْتِهِ وَوَقْتِ الْعِشَاءِ فَصْلٌ لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَحَدِهِمَا وَلَأَوْجَبَ عَلَى الْمُفِيقِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ الْعِشَاءَ دُونَ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ لَا تَفُوتَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى النَّهَارِ وَقَالَ طَاوُسٌ: لَا تَفُوتُ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ حَتَّى الْفَجْرِ.